تحتفل مصر هذا الشهر بمرور 72 عاماً على ثورة 23 يوليو 1952، والتى قضت على حكم الملكية، وبداية إقامة النظام الجمهوري، الأمر الذي تبعه تحقيق مكتسبات هامة، نظراً للخطوات التي اتخذتها الثورة فى عدد من النواحي: السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
المشروع العملاق الذي غير وجه الحياه في مصر
وربما كان ضمن تلك المكتسبات التي حققتها ثورة يوليو، كان المشروع المصري العظيم، “السد العالي”، والذي وصفه الكثيرون بأنه معجزة القرن العشرين، حيث استطاع حماية مصر من مخاطر الجفاف، بالإضافة إلى أنه ساهم فى تحقيق نهضة مصرية اقتصادية زراعية وصناعية.
وجسدت مسيرة بناء السد العالي، حكاية طويلة لشعب عظيم، بدأت حينما رفضت الدول الغربية تمويل عمليات البناء، حيث ظنت انها قادرة على الوقوف حائلاً أمام رغبة مصر وأبنائها في تحقيق التنمية والخير والنماء، لايعلمون قدرة المصريين على الصمود والتحدي وتحقيق الإنتصار.
تبدأ أحداث تلك الحكاية في السادس والعشرون من شهر يوليو عام 1956، ومع الاحتفال بالذكرى الرابعة لثورة يوليو، حيث الخطاب التاريخي للرئيس الراحل جمال عبد الناصر من ميدان المنشية بالإسكندرية، حينما سرد خلال هذا الخطاب مؤامرات الاستعمار ومحاولاته لمص دماء الشعوب ونهب مقدراتها، ثم فاجأ العالم كله والمصريين خاصة بقرارتاريخي، وهو تأميم قناة السويس، حيث أحدث ضجة ودويا هائلا في العالم كله، وكان علامة فارقة ومفصلية في تاريخ مصر الحديث.
تلى جمال عبدالناصر نص قراره الشهير، بكلمات لازالت عالقة في اذهان المصريين يحفظونها عن ظهر قلب: “قرار رئيس الجمهورية، تؤمم الشركة العالمية لقناة السويس البحرية، شركة مساهمة مصرية، وينتقل إلى الدولة جميع ما لها من أموال وحقوق وما عليها من التزامات”.
جاء ذلك القرار رداً على سحب الولايات المتحدة عرض تمويل السد العالي بطريقة مهينة لمصر، ثم تبعتها بريطانيا والبنك الدولي، فلجأ جمال عبدالناصر الى تلك الخطوة الهامة، لتحقيق الحلم الذي طال انتظاره وبناء السد العالي.
ورغم القبول الشعبي لذلك القرار من قبل المصريين والمصحبين لمصر وأبناءها، إلا أن ذلك القرار كان له تبعاته الخطيرة من قبل دول الاستعمار، والتي تصدت لها مصر على المستويات الشعبية والسياسية والعسكرية، حيث قدمت بريطانيا على إثر القرار احتجاجاً رفضه جمال عبد الناصر على أساس أن التأميم عمل من أعمال السيادة المصرية، كما تعرضت مصر الى العدوان الثلاثي من : بريطانيا وفرنسا وإسرائيل، في اكتوبر من العام ذاته، لكن صمود مصر وانتصارها في هذا العدوان عزز من مكانتها كدولة عربية مستقلة وقادرة على الدفاع عن مصالحها.
وكان لقرار التأميم دورًا محوريًا في تمويل بناء السد العالي، حيث ساهم في توفير مصدر هام للدخل، حيث كانت عائدات قناة السويس قبل التأميم تذهب بشكل أساسي إلى الدول الأوروبية، بينما كانت مصر تحصل على نسبة ضئيلة منها، كما لم يقتصر دور تأميم القناة على ذلك فقط، بل كان أيضًا رمزًا للتحرر الوطني وسيطرة مصر على مقدراتها، كما أثار حماسًا شعبيًا عارمًا في مصر والعالم العربي، وأظهر قدرة مصر على التحرر من السيطرة الأجنبية.
“السد العالي”.. حمى مصر من مخاطر المجاعة والجفاف والفيضان
وشرعت مصر بعد ذلك القرار، وتحديداً قبل نحو 64 عاماً، في بناء السد العالي، ووضع حجر الأساس له، ليكون أعظم صرح هندسى في القرن العشرين، ليس فقط لما تجلى في عظمة انشاءه، ولكن أيضاً لمساهمته في حماية مصر من مخاطر الجفاف ومساعدته على تحقيق نهضة حقيقية تنموية فى مجالات الزراعة والصناعة والاقتصاد والطاقة وغيرها من المجالات.
فكان الفيضان قبل بناء السد يغمر مصر، مما يؤدي إلى تلف المحاصيل الزراعية وغرقها، عند زيادة منسوب مياهه، وفي سنوات أخرى حين ينخفض منسوبه تقل المياه وتبور الأراضي الزراعية، فكان من أشد الفيضانات التي شهدتها مصر وفقاً للمؤرخون فيضان عام 1887، حيث بلغ إيراد مصر من المياه حينها نحو 150 مليار متر مكعب من المياه، وحمل النهر جثث الضحايا من السودان وجنوب مصر حتى المصب.
ساهم في زيادة مساحة الرقعة الزراعية في مصر وتوفير مصدر ري دائم للأراضي الزراعية
ومع اتمام بناء السد العالي، انتهى خطر الفيضان تماما، وتم حماية مصر من الجفاف أيضا، حيث أن بحيرة ناصر تقلل من اندفاع مياه الفيضان، وتقوم بتخزينها بشكل دائم للاستفادة منها في سنوات الجفاف.
فبلا شك أن بناء السد العالي، والذي تم افتتاحه رسمياً عام 1971، قد غير وجه الحياه في مصر تماماً، وأحدث نقلة نوعية كبيرة في التنمية في مصر، فقد أسهم حينها فى زيادة مساحة الرقعة الزراعية بمصر من 5.5 إلى 7.9 مليون فدان، وساعد على زراعة محاصيل أكثر استهلاكا للمياه مثل الأرز وقصب السكر، كما أنه أدى إلى تحويل المساحات التي كانت تزرع بنظام ري الحياض إلى نظام الري الدائم، كما وفر الطاقة الكهربية التي تستخدم في إدارة المصانع وإنارة المدن والقري، وأدى إلى زيادة الثروة السمكية عن طريق بحيرة ناصر، وكذلك تحسين الملاحة النهرية طوال العام.