قرى مصرية تحولت الى مقاصد سياحة هامة بعيداً عن ازدحام وضوضاء المدن
صناعات يدوية وأكلات ريفية ومناظر طبيعية خلابة في «ريف مصر»
رغم التطور التكنولوجي الهائل، والمنشآت السياحية الضخمة، والمقاصد المتنوعة والتي انشأت على أحدث الطرز العالمية الجذابة، إلا أن مصر قد حباها الله ميزة نسبية، من أجواء طبيعية، ومناخ معتدل في أغلب انحائها وفي معظم أيام العام، ما يجعلها مقصداً هاما على قائمة المقاصد السياحية العالمية.
تجد مصر قد تفردت بسياحة إضافية من نوع خاص، شكلتها طبيعة خلابة، بعيدة عن ضجيج المدن، وازدحام الأسواق الكبرى، فبمجرد ترجلك في الريف المصري، تجد نفسك وكأنك جزءًا لا يتجزأ من لوحة فنية بديعة، يغلب عليها اللون الأخضر، وهدوء شكلته ثقافة وأصالة وفنون، لن تجد لها مثيلاً في أغلب دول العالم.
لازالت قرى مصر المحروسة تحافظ بشكل كبير على عاداتها وتقاليدها اليومية وارتباطها الدائم بالعمل والحياة والاحتفالات البسيطة والأجواء الفولكلورية التي تمتاز بها بدون غيرها، والغريب في الأمر أن لكل قرية من قرى مصر عاداتها وفنونها وثقافاتها وتراثها الذي لا يشبه غيره.
وهناك الكثير والكثير والذي لا يشعرك أبداً بالملل، إذا ما قررت أن تضع على قائمة متنزهاتك، لقضاء عطلتك واحدة من قرى مصر او بالتعبير الحديث إحدى المنتجعات الريفية المصرية، للاستمتاع بأجواء غير تقليدية وممارسة الأنشطة التي بلا شك سيكون لها كبير الأثر في تحسين حالتك المزاجية، بعيدا عن ضوضاء المدن.
وفي الآونة الأخيرة استطاعت الكثير من قرى مصر تنمية مواردها، واستغلال الميزة النسبية بكل منها، سواء كانت مناظر خلابة، او منتجات تتميز بها دون غيرها، او حرفة يدوية تشتهر بها، او بأطعمة ومأكولات ريفية لن تتناولها الا في هذه القرى، لتصبح أيقونة من أيقونات السياحة الريفية التي يقصدها الكثير سواء من أبناء المدن المحاورة لها، او السائحون من مختلف دول العالم، بل والاكثر من ذلك ان هناك أيضا منتجعات ريفية حديثة تم تصميمها لتحاكي الحياه والطابع الريفي الأصيل، لتقدم كافة خدمات السياحة الريفية والتي شهدت إقبالاً كبيرا مؤخراً من الباحثين عن الهدوء للاسترخاء والاستجمام والاستمتاع بهواء نقي والابتعاد عن ضغوط الحياة.
وفي هذا التقرير نقدم لك عزيزي القارئ أهم المقاصد للسياحة الريفية في مصر، والتي يجب ألا تفوتك عندما تقرر قضاء أجازه غير تقليدية وممارسة أنشطة بيئية في أجواء طبيعية.
«الفيوم».. البيئات المتعددة في مصر الصغرى
تأتي محافظة الفيوم، على قائمة المحافظات المصرية، التي تمتاز بالسياحة الريفية، حيث تجد فيها مزيجاً من البيئات الساحلية والزراعية والصحراوية في تناغم جميل، فتشمل معالمها “سواقي الهدير” الشهيرة ، والتي تدور بقوة دفع المياه، فرغم شهرتها السبع سواقي المعروفة، الا انه في حقيقة الأمر، هناك نحو 200 ساقية تاريخية موزعة في قرى ومدن المحافظة، أما عين السيلين فهي عين طبيعية كانت تتدفق منها المياه من الآبار الطبيعية، واستخدمت لسنوات طويلة في علاج الأملاح، كما تشتهر بـ«أبراج الحمام»، التي بناها القدماء المصريون من الطين والفخار على غالبية المساحة المنزرعة في المحافظة والتي تبلغ 26 في المائة من مساحتها.
أما أكثر معالم الفيوم شهرة فهي «بحيرة قارون»، وشلالات «وادي الريان» وترعة «بحر يوسف»، ولكل بحيرة من هذه البحيرات عبقها الخاص والحياة البرية والنشاط السكاني على ضفتيها، كما ساهمت في ازدهار سياحة الرياضات المائية، وممارسة هواية صيد الأسماك، فضلا عن مراقبة الطيور المهاجرة واصطيادها.
«قرية تونس».. تعلم صناعة الفخار في الواحة الخضراء
على بعد نحو 60 كيلو مترا عن مدينة الفيوم، تجد «قرية تونس»، تلك اللوحة الطبيعية التي نشأت في أحضان الريف المصري، والتي يغلب على مبانيها طراز المعماري المصري الشهير حسن فتحي، مما جعلها لا تشبه غيرها من القرى وتمتاز بكونها صديقة للبيئة وتراعى عوامل الطقس، حيث أعتمد في بناءها على المواد الطبيعية من الطين، والرمال، وجذوع النخل، لتزيين النوافذ وأسقف وأسطح المنازل، والتي تأتي على هيئة قباب من الطوب اللبني، وهو بيت من طراز بيئى، يضمن أن تكون المنازل دافئة فى الشتاء وباردة خلال فصل الصيف.
تقع القرية على ربوة عالية ترى بحيرة قارون، وتعد رمزًا للجمال والفن، ويعمل أغلب سكانها في صناعة الخزف والفخار الملون، الذي أدخلته إليها إحدى الفنانات السويسريات وأسست مدرسة لتعليمه، فيمكن لزائر القرية أن يشاهد مراحل صناعة الفخار الملون ابتداء من عجن الطينة مرورا بمراحل الرسم والتلوين والحرق.
«القناطر الخيرية».. وأعظم حدائق الشرق
تعد «القناطر الخيرية» نموذجا مثاليا للسياحة الريفية، فأمام الزائر أكثر من وسيلة للترفيه، أولها الاستمتاع بالجلوس وسط حدائقها الشاسعة، او القيام بنزهة نيلية خاصة مستقلا أحد القوارب، والاقتراب من فرعي النيل عند نقطة الملتقى، فهذه الرحلة تعد فرصة لمشاهدة المناظر الطبيعية وحدائق القناطر المتجاورة في منظر بانورامي بديع، كما يمكن أيضاً الاستمتاع بركوب الخيل أو استئجار عربات «الحنطور» التي تجرها الخيول، والتجول بها بين الحدائق أو على الجسور المقامة أعلى مياه النيل، حيث تضم القناطر الكثير من المشاتل والمزارع والنباتات والزهور النادرة، الأمر الذي جعلها قبلة المصريين والسائحين العرب والأجانب.
«دهشور».. تجربة فريدة بين التاريخ والتراث
يعمل معظم سكان دهشور على الزراعة، ولازال ابناؤها يحتفظون بعاداتهم، وتقاليدهم القديمة، حيث تمنح دهشور زائرها تجربة فريدة لمعايشة الحياة الريفية، والتعرف على الأنشطة الزراعية، وتعلم الكثير عن التاريخ القديم للمنطقة الذي يمتد قبل 3 آلاف عام، وكذلك رؤية أهرامات دهشور الثلاث: الأحمر، الأصفر، والأسود، في المحيط الصحراوي المتاخم لبركة دهشور الموسمية، فضلاً عن الاستمتاع بالمزارع الريفية ومنازل زاوية دهشور القديمة وجمعية تراثيات الحرف الجديدة وأبراج الحمام التقليدية، إلى جانب الجلوس على المقاهي الشعبية والشراء من بائعي الحلوى التقليدية، والتردد على الكثير من المطاعم والمقاهي السياحية التي تقدم المأكولات الشعبية ذات الطابع الريفي.
«برج المنوفية».. أكلات من الريف
بالرغم من أن برج المنوفية، هو عبارة عن استراحة سياحية يعود اسمها لـ«برج الحمام» الذي يعلو البناء، الا انه نزهة سريعة، تستطيع ختامها بأشهر المأكولات التي يمتاز بها الريف المصري، خاصة الفطير المشتلت والذي يقدمه بطريقة مميزة، والجبن القديم والمش وعسل النحل والعسل الأسود والقشطة، وأصناف الطيور وخاصة البط والحمام.
كما يمكنك أيضاً التعرف هناك على مراحل خبز الفطير داخل الأفران البلدية الموجودة بالبرج، ورؤية السيدات الريفيات اللاتي يقمن بعمليتي إعداد العجين والخبز، والتعرف على مهارتهن إذ يتطلب الفطير خبرة لإنضاجه، كما أن البرج يضم بحيرة صناعية للبجع والبط، وأبراج للحمام، ومساحات خضراء، بما يعني توافر خدمات متميزة للزائرين، ويجعله نموذج مصغر للقرية الريفية.
«نخيل القرين» و«بردي القراموص» في الشرقية
تمتلك محافظة الشرقية مقومات صناعة السياحة الريفية، حيث إن طبيعتها الزراعية مكنت من وجود أماكن جاذبة سياحيًا للاسترخاء والترويح، من بين تلك الأماكن مدينة «القرين»، وهي من المدن ذات الطبيعة الخاصة نظرًا لطبيعة تكوينها وتداخل حدائق الفاكهة والزراعات مع المناطق السكنية، ويطلق على المدينة لقب «بلد المليون نخلة»، لما تحتويه هذه المدينة من عدد كبير ومتنوع من أشجار النخيل.
كما يوجد على أرض محافظة الشرقية زراعات ورق البردي الشهير، والذي تتخصص وتتفرد به قرية «القراموص»، حيث تنتشر حقول نبات البردي في أرجائها، وكذلك معامل وورش تصنيعه وتلوينه ورسمه والنقش عليه، ومن ثم بيعه للبازارات والأماكن السياحية، لتكون القرية بمثابة حلقة وصل بين التاريخ الفرعوني وبين حاضر يعيد إنتاج هذا الماضي الحضاري، حيث تقصد الأفواج السياحية القرية لمشاهدة حقول نبات البردي أثناء زراعته، وكذلك التعرف على فنون تصنيعه حتى يتحول لأوراق رسم عليها أجمل النقوش الفرعونية، وهو ما يمثل مصدر جذب سياحي للقرية.
«فوه» كفر الشيخ.. هنا يصنع الكليم اليدوي
تتمتع كفر الشيخ بوجود عدد من المناطق الريفية والأنشطة الزراعية، ومن خلال جولات بتلك المناطق يمكن التعرف على عادات وتقاليد الريف والفلكلور الشعبي، والمنتجات التراثية، وغيرها، ففي مدينة «فوه»، والتي تعد من أشهر المدن المصرية والعالمية المعروفة بصناعة «الكليم» والسجاد اليدوي قبل أكثر من مائة عام، يمكن التعرف على مراحل العمل في هذه المهنة الحرفية وذلك بزيارة ورش المدينة والتواجد وسط الصناع المهرة والأصباغ والأنوال والأصواف والماكينات، التي تنتج أجود الأنواع من الكليم والسجاد بمختلف الأشكال الهندسية والرسومات الفرعونية والشعبية والبيئية، والتي تعرض بأكبر معارض السجاد في العالم.
«البحيرة».. قناطر أدفينا وطواحين الهواء الاثرية
تشتهر محافظة البحيرة بقناطر «إدفينا»، والتي تحجز مياه نهر النيل فرع رشيد عن مياه البحر المتوسط، وهي تمثل موقعًا ومزارًا سياحيًا، حيث تنتشر الحدائق الشاسعة، منها خمس حدائق بالبر الأيسر للقناطر مساحتها 25 فدانًا، والبر الأيمن به حديقتان مقامة على عشرة أفدنة، وحديقتان على مساحة 100 فدان منزرعة بالموالح والفاكهة، وبهما مشتل لإنتاج الزهور والنباتات النادرة ومسطحات خضراء وأحواض وأشكال هندسية ونافورات، ومقربة منها 300 فيلا واستراحة.
أما مدينة رشيد فتشتهر بإنتاجها الوفير من التمور، حيث تنتشر أشجار النخيل بكثرة، ويمكن التعرف على الصناعات اليدوية المرتبطة بالنخيل، مثل صناعة الأقفاص والأسبتة المصنوعة من مخلفات جريد النخل.
ويعد من أشهر معالم مدينة رشيد أيضا والتي ارتبطت بالحياة الريفية، طواحين طحن الغلال، فتحتضن البحيرة طاحونتين أثريتين، الأولى طاحونة «أبو شاهين» المشيدة في القرن الـ18 الميلادي، والتي كانت ذات تروس خشبية وتدار بواسطة الدواب، والثانية طاحونة الهواء، وترجع إلى أوائل القرن الـ19 في عصر محمد علي، وتعد هذه الطاحونة من النماذج الفريدة الباقية لطواحين الهواء في منطقة الدلتا.