يعتبر محصول القمح هو “أبو الزروع” قديماً وحديثاً، بإعتباره مادة أساسية لتغذية 3 مليارات شخص، خاصة في دول العالم النامي والتي تعتبر المستورد العالمي الأول للقمح، مما يجعل منه سلاحاً استراتيجياً بالغ الأهمية.
كما يعد هو المنتج الزراعي والغذائي الأكثر تبادلا في العالم ويستورد ثلث مبيعات العالم منه، وتنتج خمس دول أكثر من نصف القمح العالمي وهي: الهند، الصين، روسيا، الولايات المتحدة، الاتحاد الأوروبي، كذلك العامل المشترك الأساسي لهذه الدول هو ان زراعة القمح هناك، تعتمد على مياه الأمطار، وتتم على مساحات شاسعة من الأراضي، فالصين تزرع ما يزيد عن 350 مليون فدان قمح، والهند ما يقارب 300 مليون فدان وروسيا حوالى 230 مليون فدان، وفي كل الأحوال لا تزيد تكلفة انتاج الطن على 100 دولار في هذه الدول .
وفي مصر.. تحديداً في فترة الثمانينيات وما قبلها، كانت انتاجية فدان القمح لا تتعدى 5 أردب للفدان، حتى زادت في التسعينات، وحينها أيضاً كانت تتراوح ما بين 8 و 10 أردب للفدان الواحد، وفي غضون سنوات قليلة ارتفعت غلة الفدان لتتعدى 20 أردب للفدان كمتوسط عام، بمعنى ان هناك عدد من المزارعين تتجاوز انتاجيتهم 25 أردب وأكثر للفدان الواحد.
وبحسابات بسيطة، نجد ان إنتاجية القمح، ونتيجة لزراعة الأصناف المحسنة في مساحة 3.5 مليون فدان، زادت حوالي 50 مليون أردب إضافية، أي نحو 8 مليون طن، قيمتهم النقدية أكثر من 60 مليار جنيه سنوياً، فقط بسبب استنباط أصناف محسنة، ومقاومة للأصداء الثلاثة، والتي كانت تسبب خسارة قد تصل الى 50% من المحصول في سنوات الأوبئة، فضلاً عن مقاومتها للرقاد والذي كان يسبب فقد في المحصول يصل إلى 20-30% ، ذلك بالإضافة الى القيمة المضافة نتيجة توفير شهر من عمر القمح في جميع الأصناف قصيرة العمر 150 – 155 يوم.
هذه الطفرة تجعلنا نقف تقديراً واحتراماً لرواد زيادة غلة القمح من باحثين وعلماء، من مركز البحوث الزراعية والذي تحسب له هذه الطفرة -رحم الله من مات منهم وبارك في عمر من حضر منهم-.
ورغم الإنتاجية العالية لمصر من محصول القمح، والتي تبلغ ملايين الأطنان، وبأعلى معدلات الإنتاجية العالمية لوحدة المساحة، الا انها تصنف من المستوردين الكبار لهذا المحصول، يرجع ذلك الى ان ما تنتجه مصر غير كافٍ لسوق الاستهلاك في مصر، بإعتباره سوق ضخم جداً، فضلاً عن الأنماط الاستهلاكية غير الصحيحة وغير الصحية،
وهنا يتساءل الكثيرون، لماذا لا يتم التوسع في زراعة الصحراء لزيادة المساحات المنزرعة بالقمح، وتحقيق الاكتفاء الذاتي منه، وفي حقيقة الأمر أن المحدد الأكبر لزراعة ولو فدان واحد في الصحراء هو توافر المياه، فضلاً عن التكاليف الاستثمارية العالية لزراعة الصحراء وتعرضها الدائم لمشاكل تغير المناخ، ومصر كما تعلم عزيزي القارئ لديها محدودية شديدة في مورد المياه، حيث تصنف مصر بأنها بلد جافة بصورة مطلقة بسبب ان معدلات تساقط الامطار لا يتجاوز 100 – 150 مم / سنة وفي مناطق محددة، أي نسبة لا تذكر بالمقارنة مع الدول ا لتي ن ستورد منها الاقماح، فمعدل سقوط الامطار في روسيا وأوكرانيا مثلاً حوالى 1000 مم / سنة في معظم المناطق وفرنسا 1500 مم / سنة، وبالمناسبة 1000 مم / سنة، تعني ان كل متر مربع يسقط عليه طن مياه سنوياً ، أي أن مساحة الفدان تسقط عليها 4200 م3 مياه، في حين أن فدان القمح المروي، يحتاج في حدود 2500 م3 في الموسم ، للحصول على أعلى إنتاجية.
وبمناسبة القول تحقق مصر من انتاج الخضر والفاكهة، اكتفاء ذاتي يقدر بحوالي 120% اكتفاء، ويتم تصدير أكثر من 6.5 مليون طن منتجات زراعية طازجة وحوالى 2.5 مليون طن مصنعات غذائية قيمتها 225 مليار جنيه ( 7.5 مليار دولار).
هذا الأمر يأخذنا الى ما يسمي بالاكتفاء الذاتي النسبي، بمعنى ان انتاجية مصر من القمح هي رقم 1 فى العالم (غلة الفدان) والأرز والذرة وغيرها في المراتب الأولى، وهذه هي الزيادة الرأسية، لتتبقى الزيادة الأفقية والتي تتلخص في زيادة المساحة، فليس من المعقول زراعة 6 مليون فدان قمح من إجمالي 9 مليون فدان كل مساحة مصر الزراعية ، لتحقيق الإكتفاء الذاتي من محصول واحد فقط، وتجاهل باقي المحاصيل، فتحقيق الأمن الغذائي النسبي، يعتمد في الأساس على استغلال الميزة التنافسية، بهدف تأمين الحاجة المتنوعة للمواطنين من الغذاء، أي يتم تصدير عدد كبير من الحاصلات الزراعية التي تتفوق فيها مصر، الى الدول التي لا تمتلك نفس الميزة، واستيراد القمح، لتحقيق الاكتفاء الذاتي منه.
وخلاصة القول ان جهود مركز البحوث الزراعية، وخاصة في “غلة القمح” ساهمت بشكل كبير في تحقيق الأمن الغذائي، من كافة المحاصيل.