“نهر النيل”.. كان سبباً في خصوبة الأراضي المصرية وصلاحيتها للزراعة
يعد نهر النيل الذي يجري عبر مصر، ليس مجرد مجرى مائي، بل هو الشريان الحيوي للبلاد ومصدر للثروة والحضارة حيث يعتبر النيل رمزًا للحياة والاستقرار، ويمتلك أهميته الإستراتيجية التي لا تقدر بثمن لدى المصريين.
كان نهر النيل منذ عصر ما قبل التاريخ، ولازال مصدرًا هامًا للثروة الزراعية في مصر، وهو مصدر الرطوبه الوحيد الذي حافظ على المحاصيل، وتعتمد الزراعة في مصر عليه بشكل كبير في الري المستمر من مياه، الأمر الذي جعل الأراضي المصرية واحدة من أكثر الأراضي خصوبة في العالم، حيث يتم على جانبيه زراعة محاصيل هامة مثل: القمح والذرة والقطن، وهي التي تساهم المحاصيل في تلبية الاحتياجات الغذائية للشعب المصري وتصديرها للعديد من البلدان.
كذلك كان نهر النيل وسيلة للتنقل من مكان إلي آخر، فكان أيضاً له دور رئيسي في عملية التجارة ونقل البضائع، وكان له أيضاً، دوراً كبيراً في المساعدة على بناء الأهرامات، حيث كانت الحجارة تنتقل بالقوارب عبر النهر، وساهمت أيضاً فيضانات نهر النيل بتزويد جانبي النهر بتربة خصبة ساعدت المصريين القدماء على العمل بالزراعة والتي كانت سببا أساسيا في قيام الحضارة المصرية القديمة، فالطمي الذي كانت ينتج من الفيضانات كان سببا في تكوين تربة خصبة في دلتا النيل والتي ساعدت على نمو نبات البردي الذي تم أستخدامه فيما بعد ذلك في صناعة الورق والملابس.
كما يعتبر نهر النيل مقصدًا سياحيًا رئيسيًا في مصر، يتمتع السياح بإمكانية ركوب القوارب الشراعية الفخمة على ضفاف النيل واستكشاف الجمال الطبيعي المدهش الذي يحيط بالنهر، حيث تمتزج المشاهد الخلابة للنيل مع المعابده القديمة والمدن التاريخية، مما يخلق تجربة سياحية فريدة من نوعها، كذلك يمكن للسياح من خلاله الاستمتاع بالرحلات النيلية وصيد الأسماك والمناظر الطبيعية الساحرة على مدار العام.
ويعد نهر النيل كذلك كنزاً ثميناً للمصريين، فهو يمثل الحياة والرخاء والثروة والتاريخ والثقافة في بلاد الفراعنة، بفضل هذا النهر الرائع، يستمد الشعب المصري قوته وإلهامه ويعكس من خلاله هويته الوطنية.
النهر المقدس في عقائد الأجداد
نظر القدماء المصريون إلى النيل بعين القداسة، واستخدموا مياه النهر للتطهر ولأداء الطقوس الدينية، فكان الاغتسال بماء النيل ضرورة حياتية مصرية كنوع من النظافة والتطهر البدني والروحي، وهي عملية تحمل معنيين، فعلي ورمزي، في وجدان المصري، أما الفعلي فهو يشمل نظافة الجسد والملبس والمأكل والمسكن فضلا عن التطهر كضرورة لتأدية الطقوس الدينية، أما الرمزي فيشمل طهارة النفس روحيا من كل شائبة.
وبرز تقديس النيل من خلال حرص المصري على طهارة ماء النهر من كل دنس، كواجب مقدس، ومن يلوث هذا الماء يتعرض لعقوبة انتهاكه غضب الآلهة في يوم الحساب.
ويشير نص قديم إلى أن “من يلوث ماء النيل سوف يصيبه غضب الآلهة”، وأكد المصري في اعترافاته الإنكارية في العالم الآخر ما يفيد عدم منعه جريان الماء درءا للخير، وفي نص مشابه على جدران مقبرة “حرخوف” في أسوان عدّد صفاته أمام الإله من بينها “أنا لم ألوث ماء النهر…لم أمنع الفيضان في موسمه…لم أقم سدا للماء الجاري…أعطيت الخبز للجوعى وأعطيت الماء للعطشى.
مصر هبة النيل
أوجز الفيلسوف اليوناني هيرودوت، أهمية نهر النيل بالنسبة لمصر، بثلاثة كلمات بسيطة معبرة، هي “مصر هبة النيل”، قاصداً أن نهر النيل العظيم الذي يعد من أطول أنهار العالم ويمر عبر هذا البلد الصحراوي، ساهم بشكل كبير في صنع حضارته وأصبح المصدر الرئيسي للحضارة، والحياه.
ولازال المصريون يقدسون نهر النيل، حيث تحتفل مصر في الخامس عشر من شهر أغسطس كل عام، بعيد وفاء النيل، والمقصود به هو أن نهر النيل وفى للمصريين بالخير من طمى ومياه، لذلك قدس القدماء المصريون النيل وجعلوا له احتفالا كبيرًا فى هذا الشهر الذى يأتى الفيضان به محملا بالطمى والماء فيه، وكانوا يلقون عروسة من الخشب للنيل فى حفل عظيم يتقدمه الملك وكبار رجال الدولة، دليلا منهم على العرفان بالجميل لهذا النيل العظيم.
فكان قدماء المصريين يقدسونه ويعظمونه، وكان المعبود حابي معبودًا للنيل وللفيضان السنوي آنذاك، فتخيل القدماء المصريون “حابي” على هيئة رجل جسمه قوى و له صدر بارز و بطن ضخمه كرمز لاخصابه، وأحيانا شبهوه بالاله اوزوريس و كانو يعتقدون ان فيضان النيل على ارض مصر كل سنه ينبت الزرع الاخضر كما أن زواج الاله اوزوريس من ايزيس اثمر حورس، وبما أن الاله حابى كان مزاجه متقلب، مرة يرضى فيكون فيضانه بمنسوب مناسب، ومرة يغضب فيرسل فيضانا عالياً يهدد بإغراق الأراضى او فيضان منخفض فيهدد الناس بالمجاعه، فكانوا يحرصون على ارضائه – حسب معتقداتهم قديماً- بالذبائح و الهدايا وواقامة الاحتفالات بوفائه في موكب عظيم، ويتقدمه الملك وكبار رجال الدولة دليلاً منهم على العرفان بالجميل لهذا النيل العظيم، لما يحمله معه من الخيرات، لذلك فقد قدسوا النيل وأقاموا له احتفالاً كبيراً خلال الشهر الذي يحل فيه فيضان النيل حاملاً معه الطمي والمياه.
أسطورة عروس النيل
ومن أهم الأساطير المرتبطة بعيد وفاء النيل، هى أن المصريين القدماء كانوا يقدمون للنيل “الإله حابى” فى عيده فتاة جميلة وكانت تسمى بـ”عروس النيل”.. التى تُزين بأجمل وأغلى الحُلي ثم تلقى قبل وقت الفيضان حتى يرضى حابى إله النيل، وتجري المياه فى الوادي وتنجو مصر من الجفاف، وتتزوج الفتاة بالإله “حعبى” فى العالم الآخر إلا أنه فى إحدى السنين لم يبق من الفتيات سوى بنت الملك الجميلة فحزن الملك حزنًا شديدًا على ابنته، ولكن خادمتها أخفتها وصنعت عروسة من الخشب تشبهها، وفى الحفل ألقتها فى النيل دون أن يتحقق أحد من الأمر، وبعد ذلك أعادتها إلى الملك الذى أصابه الحزن الشديد والمرض على فراق ابنته.
وجرت العادة على إلقاء عروسة خشبية إلى إله الفيضان كل عام فى عيد وفاء النيل، ولا يوجد نص صريح فى التاريخ يروى أن المصرى القديم كان يقدم قربانا بشريا “عروس النيل” احتفالا بوفاء النيل، أنها فقط أسطورة نسجها الخيال المبدع للمصرى القديم تقديراً منه لمكانة النيل، ورغم ذلك عاشت تلك الأسطورة فى خيال ووجدان المصريين وتناولها الأدباء والكتاب والسينما، وما زالت تتردد حتى الآن كواقع.
هنا قامت الزراعة والحضارة
وكان نهر النيل السبب الرئيسي فى استقرار المصرى القديم على ضفافه ولعب نهر النيل دوراً رئيسياً في الزراعة، فلولا النيل لكانت مصر صحراء بلا نبات ولا ماء ولا استقرار، فالنيل جعل لمصر دورة زراعية كاملة وحول الأرض السوداء إلى أرض خضراء مثمرة، كما كان لفيضان النيل أهمية بالغة بالنسبة للحضارة المصرية، فكان النيل يفيض من الجنوب إلى الشمال، حيث الدلتا، ويصب في البحر المتوسط، وفي الثقافة المصرية القديمة كان يمثل فيضان النيل بوابتهم للعالم المجهول.
ويفيض النيل كل عام حاملاً المياه المملوءة بالطمي، وعند انحسار المياه يتراكم الطمي على ضفتي النهر، مخصباً الأراضي، فيساعد على نمو الحاصلات الزراعية، وعندما يفيض النهر بكميات كبيرة من المياه كانت تبنى السدود لحماية القرى، وكان يعني الفيضان الصغير أو عدم حدوث الفيضان فقدان الخصوبة للأراضي الزراعية.
ولم يعتقد المصريون القدماء أن الفيضان يأتي لهطول الأمطار على جبال الجنوب، ولكنهم كانوا يرجعونه لرضاء الإله حاپي، فكانت الأمطار تملأ روافد وفروع الأنهار في الجنوب لتتجمع في النهاية بمجرى النيل، كما كان يتم قياس ارتفاع منسوب النيل بالذراع، وعادة ما كان يصور على تماثيل الإله “نيلوس” ستة عشر طفلا يرمزون إلى عدد الأذرع اللازمة للفيضان المثالي للنيل، تمثال “نيلوس” أحد القطع الفريدة بالمتحف اليونانى الروماني.