هناك طبيعة خاصة يتفرد بها شهر مارس، والتي تجعله كما يقولون بدون مبالغة يغرد خارج السرب، ربما يعود السبب الى ارتباط هذا الشهر بالربيع، وأعياده، والانتقال السلمي من فصل الشتاء ذو الاجواء القاسية، وليله الطويل، الى فصل الصيف حيث شمسه الساطعة، وليله القصير، ربما أيضا لارتباط هذا الشهر عالمياً وخصوصا في مصر بالمرأة، والتي يتم الاحتفاء بها دوما في هذا الشهر، سواء كانت أماً او رائدة أضافت للمجتمع.
وفي مارس، حيث الاعتدال الربيعي، اعتاد المصريون الاحتفال بأعياد الربيع من خلال طقوس خاصة، حيث يحرصون على التجمع، والخروج الى المتنزهات، يستنشقون الهواء النقي، ويستمتعون بالطبيعة، ومناظرها الجمالية، وألوانها الجذابة التي تسر الناظرين وتبعث على وجوههم البهجة، فضلا عن ان فصل الربيع كان يمثل للقدماء المصريين اهتماماً واحتفاءاً خاصاً، لكونه عيداً للحصاد.
وربما لم يكن الربط بين الاحتفال بالربيع والمرأة في شهر واحد محض صدفة، فالمرأة عموما، هي أساس المجتمع، فهي الأم والمدرسة التي تربي الأجيال، وتعلم الرجال، وتتحمل ما في هذا الأمر من مشقة، ما يجعلها تماماً، أشبه بزهرة الربيع، أو شجرة وارفة الأغصان، لا تمل من العطاء، في جميع حالاتها، وكأنها روح الحياة، وهو ما يؤكد ان الإحتفاء بها وتكريمها في هذا الشهر لم يكن صدفة عابرة.
وفي حقيقة الأمر، ان المرأة استطاعت، ان تثبت كفاءة غير معهودة، في كافة المجالات، والانشطة التي مارستها بجانب دورها التربوي المقدس، فتولت أرفع المناصب، على مستوى العالم، فكانت حاكمة ووزيرة وقاضية وطبيبة وعالمة، وحققت العديد من الانجازات، ما جعل العالم يحتفي بها سنويا في ٨ مارس من كل عام، كيوم عالمي للمرأة، تقديرا واحتراما لها، ولدورها في المجتمع.
وقبل اقرار الاحتفال العالمي بالمرأة، كانت مصر كعادتها سباقة، في تأسيس أول حركة وطنية، باسم الاتحاد النسوي المصري، في ١٦ مارس عام 1923 على يد الرائدة النسائية المصرية هدى شعراوي، والتي أصدرت من خلالها صحيفة دورية تسمي “L’Egyptienne” «المصرية» في عام 1925 وصحيفة «المرأة المصرية» في عام 1937، ومنها طالبن برفع مستوى المرأة لتحقيق المساواة السياسية والاجتماعية مع الرجل من ناحية القوانين وضرورة حصول المصريات على حق التعليم العام الثانوى والجامعي.
وأقرت مصر يوم ١٦ مارس من كل عام يومًا للمرأة المصرية لأسباب تاريخية هامة، تعود الى مشاركتها الايجابية، في ثورة ١٩١٩، ضد الاستعمار الإنجليزي، ومطالبتها بالاستقلال، وخروج اكثر من ٣٠٠ سيدة، في مظاهراتها، رافعات أعلام الهلال والصليب كرمز للوحدة الوطنية، حتى سقط منهن الكثير، شهداء، كما الرجال، وفى مثل اليوم ذاته في عام 1956 حصلت المرأة المصرية على حق الانتخاب والترشيح، وهو أحد المطالب التى ناضلت المرأة المصرية من أجلها وهى التى تحققت بدستور 1956، وفى التاريخ نفسه أصبحت المرأة المصرية عضوًا برلمانيًا ولها الحق أيضًا فى التصويت، ومنهن من اختير ليشغل مناصب رفيعة كوزراء وقضاة وسفراء، كل ذلك بالاضافة الى ان المرأة المصرية، حققت على مر التاريخ الإنسانى نجاحات كثيرة وأصبحت أول طبيبة وأول عالمة، وكانت هيلانه سيداروس أول مصرية تمارس الطب فى ثلاثينيات القرن العشرين.
وبنظرة سريعة، ومع احتفال مصر بمئوية النسوية، ومن خلال النظر إلى التقديرات والمؤشرات الحكومية والرسمية في هذا الشأن، نجد أن المرأة تشغل حالياً نسبة تتجاوز 43% من موظفي الجهاز الإداري للدولة، فضلا عن ان نسبة المناصب القيادية التى تشغلها المرأة فى الجهاز الإداري تزيد على 28%، ومنها مناصب رفيعة هامة، ويتم حالياً من خلال الأجهزة الحكومية، والاتحادات النسائية والمجلس القومي للمرأة، العمل على زيادة فرص تمكين المرأة، وتدريبها وتأهيلها، وصقل مهاراتها، بأعتبار ان المرأة هي نصف المجتمع وهى صانعة النصف الآخر.
ولذا فما كان منا في هذا العدد إلا ان نلقى المزيد من الضوء، على ماقدمته، بعض من النساء الرائدات، اللاتي بزغ نجمهن في القطاع الزراعي، وقدمن العديد من الإنجازات في سبيل تحقيق التنمية، وقد أدركنا أن الأمر لن يكون منصفا، إذا ما تطرقنا إلى هذا الملف، دون الاحتفاء بواحدة من الرائدات الحقيقيات في مصر، والتي كان لها الكثير من الفضل والايادي البيضاء على قطاعي التعليم والزراعة، خاصة، وأعمال الخير والدعم الاجتماعي بوجه عام، انها صاحبة المقام الرفيع وربة الإحسان، فاطمة ابنة الخديوي إسماعيل، والتي قدمت املاكها في حياتها لخدمة قضايا التنمية الحقيقية، والتي لازلنا نلمسها، ونجني بكل فخر ثمارها حتى اليوم.. فلها منا كل احترام وتقدير.
ومن هنا نهدي هذا العدد الى كل امرأة مصرية وكل أم، وكل من اضافت إلى المجتمع، وخدمت قضاياه، وكل عام وأنتم جميعا بخير.. والسلام بداية وليس ختام!
الرابط المختصر: https://avic-malr.com/?p=13585